Admin Admin المدير العام
عدد الرسائل : 475 العمر : 34 العمل/الترفيه : طالب بكلية الطب البشرى تاريخ التسجيل : 06/10/2008
| موضوع: وجبــة سمـــك الجمعة أكتوبر 10, 2008 4:44 pm | |
| كان المطعم " ك " مزدحماً حتى أنك لا تجد مقعداً واحداً تجلس عليه , لم يكن في بالي أن أنتظر مزيداً من الوقت لولا أن أحدهم رمى بثمن فاتورة الطعام على طاولة في أقصى الصالة
و قد ولّى وجهه نحو الباب الرئيسي للمطعم ينوي المغادرة , فلم أجد بدّاً من اتخاذ ذلك المقعد موضعاً أقضي فيه وقتاً مع صحن انفردتْ عليه قطعة لحم مثلاً , أو رقائق البطاطا المقلية
لم أكن من الزائرين المعتادين للمطعم , ربما دخلته قبل الآن مرة أو مرتين و على الأكثر ثلاث . كان المطعم يقع في منتصف المدينة لذا تجد الإزدحام كبيراً عليه , و مما يثير الإستغراب
و الدهشة لدي كرم أصحاب هذا المطعم و لعلّ الدهشة قد تصيبك أيضاً لو دققتَ النظر في الببوابة مبارك الثقافية الطبية الخلفية لهذا المطعم الضخم حيث تجتمع مجموعات من القطط تنتظر وجباتها فيكون حالها
مشابهاً لحال الجائعين من بني البشر في الداخل . لم أكن وحيداً على تلك الطاولة المملوءة بالحفر و النتوءات و كأنها ستعلن التقاعد من الخدمة في أي لحظة , لقد كان شريكي رجل من
أولائك الرجال الذي بمجرد رؤيتك لهم أشفقت على حالهم و لتمنيتَ لو أنك تستطيع مدّ يد العون لهم , لكنك قد تفاجىء إذْ قابلك بالرفض حينها لعزّة في نفسه أو تعففاً في ذاته . لقد كان
نحيل الجسد , طويل القامة بشرته أقرب للسُمرة منها للبياض فتُجزم بينك و بين نفسك بأنه يقضي جُل وقته في الجني وراء رزقه تحت أشعة شمس ليست طيبة البتّة . لكنه كان هناك في
المقعد المقابل لمقعدي على نفس الطاولة يدوّر بعينيه في فضاء الصالة , أظنّه يبحث عن النادل و هذا الأخير ظهر بعنقه الطويل من بين الأكتف و الأجساد المنكبّة على الأصحن الفخاريّة
فينتشرُ اللغط في أجواء الصالة و تتعالى الصيّحات مطالبة ً بكأس ٍ من الماء مثلاً , أو ملعقة أو بعض ٍ من الخبز . شيئاً فشيئاً كان النادل يقترب منّا الإثنين و كأن بقدومه ننفصلُ عن العالم
المحيط بنا ليهمس أخيراً بعبارته المملة " ماذا تطلبون ؟ " . لم يمهلني جاري بالرد و إنما قال بصوته المبحوح : " ماذا أجد عندكم من أصناف الطعام ؟ " , لقد وفّر علي جهد السؤال و
أعطاني فرصة للإستماع إلى ما سيقوله النادل عن قائمة الطعام المتوفر لديهم , ردّ بعدها النادل بصوت ٍ حاسم :
- سمك
أنتظرتُ لفينة من الوقت حتى أسمع بقيّة أصناف الطعام , و لكن النادل ظلّ صامتاً , فلم أتوانَ عن السؤال :
- و ماذا أيضاً ؟
- فقط
- فقط !
- مع أننا لا نبيع سوى السمك إلا أنك تجده مطبوخاً , مقليّاً , مسلوقاً حتى المشوي منه لا تفرغُ منه موائدنا !
قال كلماته الأخيرة بفخر مما دفعني للإستعجال بطلب وجبة سمك مقليّ مع أنني لا أحب أكل السمك أصلاً !
أما شريكي , فطلب سمكاً نيّاً مما أثار اشمئزازي إلى حد ٍ ما , فالسمك يعيش في البحر , و من ثم يأتي الصيّاد و ..
" بحر بحر بحر .. أي بحر ٍ هذا , أي صيّاد ٍ !؟ " لقد تسارعتْ الأفكار في رأسي فجأةً , نعم , لم يخطر ببالي من ذي قبل أن أسأل نفسي هذا السؤال
و لكنني تيقنتُ من أمر ٍ لن أجيب نفسي عنه , بل سأعلنه على الملأ و حالاً !
تقدمّتُ من وسط الصالة و صرختُ مستنكراً :
يا سادة !
فالتفتَ إلي ما يزيد عن خمسين وجه أو أكثر !
يا سادة :
ستون عاماً و أنتم تأكلون السمك , أفلا قلتم لي أين يقع أقرب بحر !؟
و من أين يأتي هذا السمك !؟
إن أقرب بحر يقع على بعد ألف عام !
ظهرَ فيما بعد أن ما كنّا نأكله كان ليس إلا , لحم قطط !
[ انتهـت ]
-------------------------------------------------------------------------------- | |
|